book cover copy 2

هل حرّف الشيخ الحر العاملي رواية كتاب (مستطرفات السرائر) ؟

السلام عليكم ورحمة الله
ورد في مستطرفات السرائر لابن ادريس الحلي حديثاً ورد فيه أسم يونس بن عبد الرحمن رحمه الله والرواية ظاهرة في ذمه .

وعنه، عن علي بن سليمان، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن محمد بن الفضيل البصري قال: نزل بنا أبو الحسن عليه السلام بالبصرة ذات ليلة فصلّى المغرب فوق سطح من سطوحنا، فسمعته يقول في سجوده بعد المغرب: (اللّهم العن الفاسق بن الفاسق) فلمّا فرغ من صلاته قلت له: أصلحك الله من هذا الذي لعنته في سجودك ؟ فقال: هذا يونس مولى ابن يقطين، فقلت له: إنّه قد أضلّ خلقاً من مواليك، إنّه كان يفتيهم عن آبائك عليه السلام: أنّه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس، فقال: كذب – لعنه الله – على أبي عليه السلام أو قال: على آبائي، وما عسى أن يكون قيمة عبد من أهل السواد.

مستطرفات السرائر « باب النوادر » (موسوعة إبن إدريس الحلي)، ج 14، ص 116-117

نقل الحديث عن مستطرفات السرائر الشيخ الحر العاملي في وسائله، لكن باختصار وحذف لأسم يونس بن عبد الرحمن.

محمد بن إدريس في (السرائر) نقلا من جامع البزنطي عن علي بن سلمان، عن محمد بن عبد الله بن زرارة، عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن (عليه السلام) – في حديث – أنه صلى المغرب ليلة فوق سطح من السطوح، فقيل له: إن فلانا كان يفتي عن آبائك (عليهم السلام) أنه لا بأس بالصلاة بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس وبعد العصر إلى أن تغيب الشمس، فقال: كذب – لعنه الله – على أبي، أو قال: على آبائي.

وسائل الشيعة ( آل البيت )، ج ٤، الحر العاملي، ص ٢٣٩

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم أجمعين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

ليس هذا من التحريف بشيئ وكل ما هنالك أن الشيخ الحر (رحمه الله) من باب الاختصار قطع النص وفرزه تحت الأبواب المناسبة، وما تركه من باقي الحديث لا يضر بمعنى الحديث، فهو هنا يريد بيان الحكم الشرعي كون مؤلفه جامع للأحاديث الفقهية لا بيان حال الرواة من ممدوح ومقدوح، فلهذا محله من الكتب الرجالية، وهذا معلوم مشهور بين أهل الفن، قال السيد حسن الصدر في كتابه (نهاية الدراية) تحت فصل (حكم تقطيع الحديث):

وأما تقطيع المصنف الحديث في الأبواب فلا محذور فيه، وقطعوا بجوازه، لأنه مما قامت عليه السيرة بين الخاصة والعامة. قال بعض الأفاضل:
(أن بعض العامة قد كرهها، وهو مردود بالسيرة من جميع المسلمين، مضافا إلى الأصل، وعدم الدليل عليه).

نهاية الدراية في شرح الرسالة الموسومة بالوجيزة للبهائي، ص 491

وقال الخطيب البغدادي في كتابه (الكفاية في علم الرواية):

فأما إن كان المتروك من الخبر متضمنا لعبارة أخرى وأمرا لا تعلق له بمتضمن البعض الذي رواه، ولا شرطا فيه، جاز للمحدث رواية الحديث على النقصان، وحذف بعضه، وقام ذلك مقام خبرين متضمنين عبارتين منفصلتين وسيرتين وقضيتين، لا تعلق لإحداهما بالأخرى، فكما يجوز لسامع الخبرين اللذين هذه حالهما رواية أحدهما دون الآخر ، فكذلك يجوز لسامع الخبر الواحد القائم فيما تضمنه مقام الخبرين المنفصلين رواية بعضه دون بعض، ولا فرق بين أن يكون قد رواه هو بتمامه، أو رواه غيره بتمامه، أو لم يروه غيره ولا هو بتمامه، لأنه بمثابة خبرين منفصلين في أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر.

الكفاية في علم الرواية، ص 192

ولم يكن هذا المورد الوحيد الذي أختصر فيه الشيخ الحر حتى يقال أنه وحاشاه يريد نصرة مذهبه [بتحريف] الحديث وإنما هنالك موارد أخرى أختصرها لتناسب الأبواب الفقهية، ونذكر منها المثال التالي.

الحديث كاملاً في كتاب (مستطرفات السرائر):

موسى عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أرأيت قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يزني الزاني وهو مؤمن قال: حتى ينزع عنه روح الايمان، قال: قلت: ينزع عنه روح الإيمان، قال: فحدّثني عن روح الإيمان ؟ قال: هو شيء، ثم قال: احذر أن تفهمه، أما رأيت الإنسان يهم بالشيء، فيعرض بنفسه الشيء يزجره عن ذلك وينهاه ؟ قلت: نعم، قال: هو ذاك.

مستطرفات السرائر « باب النوادر » (موسوعة إبن إدريس الحلي)، ج 14، ص 32

الحديث بعد أن اختصره الشيخ الحر في وسائله:

محمد بن إدريس في (آخر السرائر) نقلا من كتاب موسى بن بكر، عن زرارة قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام أرأيت قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: لا يزنى الزاني وهو مؤمن، قال ينزع منه روح الايمان.

وسائل الشيعة ( الإسلامية )، ج ١١، الحر العاملي، ص ٢٥١

فإن قيل: أن إبهامه اسم يونس بن عبد الرحمن الذي لعنه الإمام واكتفائه بلفط [فلانا] والذي هو بالمناسبة يوثقه ويعتمد على روايته يجعلنا نسيئ الظن به، ونقول أن تصرفه في لفظ الحديث كان نصرة لمذهبه.

قلنا: هذا الكلام باطل لوجهين:

الأول: أنه لو كان كما قلتم أن الشيخ إبهم اسمه لكونه يقول بوثاقته ويعتمد على روايته لما صرح في كتابه الرجال بورود ذم فيه، حيث قال:

يونس بن عبد الرحمان: كان وجهاً في أصحابنا، متقدماً، عظيم المنزلة.رجال النجاشي، الخلاصة. له مدائح جليلة جداً فوق التوثيق في رجال الكشي وذم أيضاً مؤول. ضعفه القميون وهو عندي ثقة. رجال الطوسي. وعده الكشي من أصحاب الإجماع.

الرجال للشيخ الحر العاملي، تحقيق علي الفاضلي، ص 262

الثاني: أن هنالك روايات وردت في ذم من هو في مرتبة يونس أو أعلى منه مثل زرارة بن أعين والشيخ الحر أوردها كما هي، فلو كان كما قلتم لزم أن يحرفها الشيخ كما حرف الأولى كما زعمتم، فإن لم يفعل بطل ادعائكم الأول وحمل على ما فسرناه.

الرواية الأولى:

محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم ومحمد بن حمران، عن الوليد بن صبيح قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فاستقبلني زرارة خارجا من عنده فقال لي أبو عبد الله عليه السلام: يا وليد أما تعجب من زرارة ؟ سألني عن أعمال هؤلاء أي شئ كان يريد ؟ أيريد أن أقول له: لا، فيروي ذاك علي. ثم قال: يا وليد متى كانت الشيعة تسألهم عن أعمالهم ؟ إنما كانت الشيعة تقول: يؤكل من طعامهم ويشرب من شرابهم، ويستظل بظلهم متى كانت الشيعة تسأل من هذا ؟

وسائل الشيعة ( آل البيت )، ج ١٧، الحر العاملي، ص ١٨٧

الرواية الثانية:

وعن حمدويه بن نصير ، عن محمد بن عيسى، عن محمد بن أبي عمير ، عن جميل بن دراج وغيره قال: وجه زرارة عبيدا ابنه إلى المدينة يستخبر له خبر أبي الحسن ع وعبد الله بن أبي عبد الله فمات قبل أن يرجع إليه قال محمد بن أبي عمير: حدثني محمد بن حكيم قال: قلت لأبي الحسن ع وذكرت له زرارة وتوجيهه ابنه عبيدا إلى المدينة فقال: إني لأرجو أن يكون زرارة ممن قال الله: (ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله)

الفصول المهمة في أصول الأئمة، ج ١، الحر العاملي، ص ٥٩١

ولا يخفى عليكم أن المخالفين استغلوا هاتين الروايتين في الطعن في زرارة بن أعين (رضي الله عنه)، وقد دفع أئمتنا (عليهم السلام) وعلمائنا (عليهم الرضوان) هذه الأشكالات.
فقد قال السيد الخوئي في الرواية الأولى:

محمد بن حمران مشترك بين الثقة وغير الثقة

معجم رجال الحديث، ج ٨، السيد الخوئي، ص ٢٥٠

وقال المجلسي الأول بعد أيراده الرواية الثانية:

وتقدم أيضا أخبار صحيحة في أنهم معذورون ما كانوا في الطلب. ..في الصحيح، عن إبراهيم بن محمد الهمذاني رضي الله عنه قال: قلت للرضا عليه السلام: يا بن رسول الله، أخبرني عن زرارة هل كان يعرف حق أبيك عليه السلام ؟ فقال: نعم فقلت له فلم بعث عبيدا ابنه ليتعرف الخبر إلى من أوصى الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ؟ فقال إن زرارة كان يعرف أمر أبي عليه السلام ونص أبيه عليه وإنما بعث ابنه ليعرف من أبي عليه السلام هل يجوز له أن يرفع التقية في إظهار أمره ونص أبيه عليه وأنه لما أبطأ عنه ابنه طولب بإظهار قوله في أبي عليه السلام فلم يحب أن يقدم على ذلك دون أمره عليه السلام فرفع المصحف فقال اللهم إن إمامي من أثبت هذا المصحف إمامته من ولد جعفر بن محمد صلوات الله عليهما. واعلم أن هذه الصحيحة كافية في علو درجته.

روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، ج ١٤، محمد تقي المجلسي ( الأول )، ص ١٢٥


وأما الرواية التي في ذم يونس بن عبد الرحمن فقد علق عليها السيد الخوئي بقوله:

هذه الرواية أيضا ضعيفة، ولا أقل من جهة الارسال، فإن طريق ابن إدريس إلى جامع البزنطي مجهول، على أن محمد بن الفضيل البصري في نفسه ضعيف.

معجم رجال الحديث، ج ٢١، السيد الخوئي، ص ٢٢٥

وقد وردت روايات عظيمة في مدح يونس بن عبد الرحمن، منها الرواية التالية التي روها الكشي في رجاله:

حدثني آدم بن محمد، قال: حدثني علي بن محمد الدقاق النيسابوري قال: حدثني محمد بن موسى السمان، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن أخيه جعفر بن عيسى، قال: كنا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام وعنده يونس بن عبد الرحمن، إذ استأذن عليه قوم من أهل البصرة، فأومى أبو الحسن عليه السلام إلى يونس: أدخل البيت، فإذا بيت مسبل عليه ستر، وإياك أن تتحرك حتى تؤذن لك. فدخل البصريون وأكثروا من الوقيعة والقول في يونس، وأبو الحسن عليه السلام مطرق، حتى لما أكثروا وقاموا فودعوا وخرجوا: فأذن ليونس بالخروج، فخرج باكيا فقال: جعلني الله فداك أني أحامي عن هذه المقالة، وهذه حالي عند أصحابي فقال له أبو الحسن عليه السلام: يا يونس وما عليك مما يقولون إذا كان امامك عنك راضيا، يا يونس حدث الناس بما يعرفون، واتركهم مما لا يعرفون، كأنك تريد أن تكذب على الله في عرشه. يا يونس وما عليك أن لو كان في يدك اليمنى درة ثم قال الناس بعرة، أو قال الناس درة، أو بعرة فقال الناس درة، هل ينفعك ذلك شيئا ؟ فقلت: لا. فقال: هكذا أنت يا يونس، إذ كنت على الصواب وكان امامك عنك راضيا لم يضرك ما قال الناس.

اختيار معرفة الرجال ( رجال الكشي ) ، ج ٢، ص 781-782

وفقكم الله لمراضيه.

قد يهمك أيضًا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *